اين تبدأ زيارتك الى اسطنبول؟. الاحتمالات متعددة، لكن الخيار الامثل قد يكون بزيارة <<الباب العالي>> في <<قصر توبكابي>>، الذي كان مقرا للسلاطين العثمانيين لمئات السنين.
يختصر المكان الكثير عن تاريخ هذه المدينة العريقة. او ربما كان التاريخ ذاته يكتب هنا. فمن هنا كانت تحكم الامبراطورية العثمانية الممتدة من مشارق الارض الى مغاربها. عند المدخل الشاهق رفعت لوحة كتب عليها <<السلطان ظل الله في الارض>>. ظل هذا الشعار متجسدا طوال اربعمئة سنة.
كان السلطان محمد الفاتح، بعدما فتح القسطنطينية في العام 1453، وضع الاساسات الاولى لهذا القصر الممتد على مساحة 700 الف متر مربع، ليكون مطلا على انقاض الحضارة التي وضع نهايتها. وكان القصر يسمى بداية <<سراي عامرة>>، وأطلق عليه لاحقا <<قصر توبكابي>>، أي <<باب المدفع>>. وتعاقب عليه السلاطنة، وكان كل واحد منهم يضيف اليه مبنى جديدا، الى ان انتقل الحكم الى <<قصر ضولما بهجة>> في القرن التاسع عشر.
وبالاضافة الى السلطان، كان يقطن <<قصر توبكابي>> زوجاته وأولاده ورجال الدولة والخدم والطهاة والجنود. هو إذاً مجموعة من القصور الصغيرة والمباني والجوامع ونوافير المياه والحدائق والقاعات الخاصة والعامة، فمنها ما كان يخص العائلة والحريم، ومنها ما كان مفتوحا لعامة الشعب والاجتماعات الرسمية ولقاءات السلطان مع زواره. وتحيط بالقصر جدران وأسوار وقلاع.
لكن الى جانب الهالة التي أحاط السلاطين بها انفسهم، كان لا بد من بعض اللمسات التي تعزز قدسية المكان وهيبة الحكم. وعلى مر العقود، اصبح القصر يضم مجموعة من الرموز، من بينها ما يقال انه يد يوحنا المعمدان وجمجمته المحفوظة في اطار نحاسي من العهد البيزنطي، والماسة الاكبر في العالم.
غير ان الرموز الاسلامية هي التي كانت تعني السلاطين اكثر من غيرها. فإلى جانب المخطوطات والكتب الاسلامية، هناك ما يسمى بالامانات المقدسة التي تضم ما جلبه السلطان ياووز سليم بعدما فتح مصر، وتنسب الى النبي محمد والخلفاء والصحابة، ومن بينها رداء النبي وسيوف استعملها وقوسه وشعر من لحيته محفوظ في إناء زجاجي، وأثر لدعسة قدمه، وبعض خطاباته من بينها رسالة الى زعيم الاقباط المقوقس.
وهناك ايضا سيف الخليفة عثمان بن عفان، لكن السلطنة العثمانية زينته بالذهب وحفر عليه <<لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي>>. وهناك سيوف اخرى من بينها لجعفر الطيار وخالد بن الوليد وعمار بن ياسر. وهناك ايضا الغطاء الذهبي للحجر الاسود للكعبة. ولإضفاء وقار اضافي على المكان، لم تتوقف تلاوة القرآن الكريم في هذه الصالة منذ جلبت اليها هذه الرموز الاسلامية، حيث يتناوب المقرئون على القاعة منذ مئات السنين من دون انقطاع.